إن ما يحدث أمامي هو مؤامرة ضد قدرة الإنسان على الفهم" طوني بلير.
استحضرت هذه المقولة في ذهني و شريط من الذكريات الشوهاء يمر أمام عيني الذابلتين كقطار لا توقف سيره علامة، صور تنثال من هنا و هناك، تلتقي لترسم لوحة سوداء بأيدي مسئولين جعلوا أنفسهم بما يقترفون بديلا للطاعون و المجاعة و الفيضانات و غيرها من الكوارث الطبيعية التي صارت قدرا محتوما على المغرب، و لله الحمد على كل حال، ما حدث و ما يحدث في هذا البلد الأمين من قصص و حكايات تجعله مستحقا عن جدارة لقب أغرب في العالم، و لا عجب في ذلك فحروفه مشتقة أصلا من الغرابة، و ها نحن قد عشنا إلى اليوم الذي صرنا نرى فيه جماهير تسجن، و لاعبين "يحرقون" مصائرهم بأيديهم، و حكاما سماسرة، و مسيرين إقطاعيين، و مسئولين ينتقمون بعقلية الأطفال، و قرارات عشوائية، و جامعة تسير بلا فرامل نحو مجاري الاندحار....
ما يحز في النفس، و ما يبعث فيها مرارة الحسرة، هو أن سيف العقاب مسلط على رقاب البعض دونا عن غيرهم، حين يخطئ مسئول كبير أو فنان مشهور فعصا العقاب قصيرة عن إدراكه، لا تنال منه شيئا،و حين تصدر عن لاعب أو فرد من الجمهور أدنى هفوة فإن العصا تطول و تضرب بحزم و قسوة، حتى يكون هذا "الجاني" عبرة لغيره، و هكذا تعودنا في بلدنا أن تحدث الكثير من العجائب دون أن نستغرب حتى، كل شيء عادي، و لا عجب في ذلك فسياسة البنج أتت مفعولها بشكل مذهل، في بلدي ترى فنانين سافروا إلى التايلاند من أجل تصوير مسلسل فتم ضبطهم في مواخير الجنس و الفساد، و لم يتكلم أحد، و لم يحاسب أحد، و قولوا العام زين و الرحيم الله، في بلدي يمكن أن يكشف فنان فوق العادة عن عورته دون أن يهتز حاجب أحد دهشة أو استنكارا، فهذا الفنان "خاسر" أصلا، و لا حرج عليه في مزيد من الخسورية،و لا بأس إن رأينا السفارة الأمريكية و غيرها من كبريات الشركات تسارع لتمويل حفلاته الشبابية الراقية جدا..فهو البديل الحضاري لرواد الفن العتيق.
في بلدي يمكن أن يتبادل سياسيونا الشتم و السب بلغة الشارع كما حدث في البرلمان بين عمدة فاس شباط و النائب بن كيران، و لا مشكلة في ذلك إطلاقا، فهذا الحوار في البداية و النهاية هو مجرد كلام و تمثيل، و حين تتحدث المصلحة تذوب الخلافات، في بلدي حين تشعل فلامة تتم محاكمتك محاكمة عسكرية، و يتم الزج بك في السجن دون أن تتحرك أية جمعية حقوقية لمناصرتك أو الدفاع عنك ، و الذنب ذنبك بالطبع لأنك لست غنيا أو مشهورا ، فأنت مجرد نكرة في هذا الوطن الكبير...
في بلدي إذا هاجر لاعب أو هرب بحثا عن آفاق واسعة تضمن له قدرا من الكرامة و بعض الخبز الخالي من المذلة و الخوف، فإنه يصير مجرما يستحق العقاب، و يجب أن يتم تدميره كي لا يكون قدوة سيئة لغيره من الحالمين الطامحين في حياة كريمة..
في بلدي عينان، عين عن الحق معمية و للباطل مبصرة، فيه أذنان ، أذن تسمع المديح و الثناء، و أذن صماء عن شكوى المظلومين،و أنين المحرومين..
في بلدي يغرم الكبار بإشعال أعواد الثقاب في ثياب الفقراء، فحذار أن ينقلب السحر على الساحر، و حذار ان يجوع الكلب فيقتل صاحبه.
لك الله يا بلدي.