تقول أسطورة أوديب أنه كان لدى ملك من الملوك زوجة بارعة الجمال، و قد حدثه بعض المنجمين من أن زوجته سوف تنجب له طفل ذكر سوف يشب لكي يقتله و يتزوج بزوجته الجميلة. تحير الملك من تلك الرؤية ولم يصدقها في البداية و لكن بعد أن حملت زوجته و أنجبت له أبناً لم يستطع أن يتغلب على شعوره بالخوف، فأمر إحدى حراسه بقتل الطفل و التخلص منه إلى الأبد، لم ترضى الأم بقتل الوليد و بكت سنيين طوال حسرةً عليه. و لعبت الأقدار دورها في هذه الأسطورة، حيث لم يستطع الحراس أن ينفذ حكم الإعدام في ذلك الطفل البريء بل ابتعد به عن المملكة و تعهد بتربية الطفل جاعلاً منه فارساً مغوارا تهابه البراري و البلدان. بعد أن أشتد عود الصبي، فتح البلاد واحدة تلو الأخرى إلى أن دخل مملكة أبيه، فقتله و تزوج من أمه دون أن يدرك أو يعلم أنها أمه. حملت له الأم الأبناء الذين هم في الحقيقة أبنائه و إخوانه في آن واحد. وصل إلى مسامعه أن من تزوجها تكون أمه و أن من قتله كان أبيه. لم يصدق أوديب ما سمعه ففقع عينه و قتلت الأم نفسها لوقع تلك المصيبة عليها. و لم تصدق الأسرة ما جرى لها، و قد حل بعدها الدمار على الجميع.
كانت تلك باختصار إحدى الروايات المتعلقة بأسطورة أوديب و التي استثمراها سايمون فرويد المحلل النفسي الشهير في تحليله لطبيعة العلاقة التي تربط بين الأب و الابن و البنت و الأم. و تعتمد نظرية فرويد في التحليل النفسي على تحليل الدوافع الجنسية و اللاشعورية و التي ربطها فرويد بالعديد من سلوكياتنا اليومية. الحقيقة أنني لم أستلطف تلك النظرية قط، و لم أوافق عليها طيلة دراستي لعلم النفس في الجامعة و لا بعدها، لأن فرويد قد ذهب بها بعيداً جداً ليعزي كل شيء لتلك الدوافع الغريزية. و ربما لا أكون الوحيدة في ابداء هذا التحفظ على نظريته، فقد تحفظ عليها الكثير من تلامذة فرويد نفسه كأرك إيركسون و أبنت فرويد آنا فرويد و كارل كاستوفا و غيرهم الكثير.
يشرح فرويد في نظريته الأوديبية أنه تشعر الطفلة الصغيرة بانجذاب شديد للأب و تدافع عنه و تعامل الأم على أنها شريكة و منافسه لها على حب الأب، لذا فهي تغير من الأم و تقف بجانب الأب في السراء و الضراء. بينما يشعر الطفل الذكر بميل و غيره شديد على الأم، لذا فهو يقف بجنب الأم و يدافع عنها ضد الأب و يحاول حمايتها منه.
يقول فرويد، و حيث أن الطفل الصغير في مرحلة الطفولة المبكرة، لم يتعلم بعد النفاق الاجتماعي و القيم الثقافية، فهو شديد التعبير عن مشاعره لوالدته، فيقترب منها و يحضنها و يبدي غيرته لو أقترب الوالد منها و قد يزجره و يقول "هاذي لي، هاذي أمي، حبيبتي، لي فقط"، تلك التعابير لا تأتي من فراغ حسب نظرية فرويد، بل تأتي من رغبة لاشعورية أوديبية كما حصل في عقدة أوديب و هي الرغبة الغريزية للجنس الأخر. و ربما أتفق مع فرويد في سلوك الغيرة لدى الطفل الذكر من والده و لدى الطفلة الأنثى من والدتها، و لكنني أختلف معه في التفسير. فقد حاول العديد من طلبة فرويد إضافة بعض التعديلات إلى نظريته الأوديبية و التي أبتعد فيها البعض ابتعاداً كلياً عن النظرية الغريزية و التي أرجعها البعض الأخر إلى السلوك و الذين سموا فيما بعد بالسلوكيين.