منتدى المهاجر
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى المهاجر

مرحبا بكم في منتدى المهاجر
 
الرئيسيةاعلان هامأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الترجمة والتأويل نقل للعلامات اللغوية أم صياغة جديدة تتمة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
DEVISIONNAIRE11
نائب مدير المنتدى
نائب مدير المنتدى



ذكر
عدد الرسائل : 88
العمر : 47
العمل/الترفيه : العمل يدوي صناعي والفكر ثقافي والترفيه إجتماعي
المزاج : دائما مبتسم المزاج إلا في حالات تعدي الحدود الغير المسموح بها
تاريخ التسجيل : 24/12/2007

الترجمة والتأويل نقل للعلامات اللغوية أم صياغة جديدة   تتمة Empty
مُساهمةموضوع: الترجمة والتأويل نقل للعلامات اللغوية أم صياغة جديدة تتمة   الترجمة والتأويل نقل للعلامات اللغوية أم صياغة جديدة   تتمة I_icon_minitimeالخميس ديسمبر 27, 2007 6:15 am

علم الدلالة الذي لايهتم إلا بالمدلولات اللغوية، وهي مهمة مشروعة للغوي دون المترجم الذي لايقوم عمله على نقل العبارات اللغوية، ولا على وضع أسس تساعد في نقل الكلام بين اللغات، وإنما على إيصال محتوى الرسالة. لذلك فإن رفض مبدأ المعنى في مجال الترجمة كما فعل بلومفيلد Bloomfield وهاريس Harris في مجال اللغويات، إنما هو رفض الكلام، أي الخطاب وغايته. والاقتصار على معالجة الرموز اللغوية يعني التخلي عن نفحة الحياة التي يضفيها الإنسان على اللغة عندما يستخدمها للتواصل مع أقرانه.
شاهدنا أن كل إدراك حسي، لغوي أو غير لغوي، يمر عبر آلية تفسيرية، وشبهنا فهم المترجم للمنطوق اللغوي بفهم القارىء. ومع ذلك فإن الترجمة تختلف عن عملية التواصل المعروفة من حيث أن المترجم الممتهن لايختار، أو قلما يختار النصوص التي يترجمها (في حين أن القارىء العادي يختار القراءات التي يفضلها) ومن حيث أن المترجم يتعامل مع لغتين، مما يتطلب منه معرفة إضافية. ينجم عن هذا الاختلاف أن المترجمين والمترجمين الفوريين، باستثناء أولئك الذين يتقنون اللغتين إتقاناً تاماً وهم قلة، يدركون المعنى في لغة ليست لغتهم الأم من جهة، ولكنهم، من جهة ثانية، لايتمتعون بحرية الاختيار الطبيعي الناتج عن الاهتمام، والذي ماهو بدوره إلا دافع لاشعوري ينشأ عن المعرفة ويملي عليهم قراءة هذا العمل دون ذاك.

عند ممارسته الترجمة، يتعامل المترجم إذن في أغلب الأحيان مع نصوص لايتمكن منها بالقدر الذي يتمكن فيه من كتاب يقرأه للتسلية أو الفائدة، ومع لغة ليست لغته الأم التي اعتاد أن يستخدمها في التعبير والكتابة. وهكذا فإن المترجم يعمل في ظروف لايتمكن فيها من المعنى بعفوية وتلقائية كما هو الأمر في الحياة اليومية. وتزداد هذه الظاهرة حدة عندما نعرف أن الترجمة (على خلاف الترجمة الفورية) لاتستخدم لنقل النصوص المعاصرة فحسب، وأنها تستوجب إدراك "المعنى"، ومعرفة التحولات الثقافية ،وفهم الحضارات المتتابعة عبر العصور. ومما يعيق الترجمة أن معرفة المترجم أدنى عادة من معرفة المرسل إليهم الذين يوجه إليهم ترجمته؛ لذلك فعندما يتعذر إدراك المعنى، يتعذر بالتالي التعبير عنه لدرجة أن المترجم يلجأ عندئذ إلى المطابقة اللغوية مكتفياً بالامكانات التي يتمتع بها، مع العلم أن عملية الترجمة لاتختلف من حيث السهولة والتلقائية عن التحدث والفهم، وهي عملية يستطيع طفل مزدوج اللغة أن يقوم بها دون جهد.
أولئك الذين عرفوا أطفالاً مهاجرين وشاهدوهم "يترجمون" لذويهم الحوارات التي تدخل في إطار عالمهم المعرفي، بشكل عفوي دون صعوبة ولا تردد، يعتقدون مثلي أن مايعيق الترجمة أن تكون أشبه برابطة طبيعية بين الكلام والتفكير هي عناصر خارجية متعددة غالباً ماتفسد مفهوم الترجمة نفسه. ويعتبر القصور المعرفي على مستوى اللغة أو الموضوع هو المسؤول الأول عن المنهجية الخاطئة التي تقوم على مقارنة اللغات كنقطة انطلاق نحو الترجمة. وخير دليل على ذلك في يومنا هذا هو أن أولئك
الذين "يعرفون"، أقصد المتخصصين في الاقتصاد أو الطب، في اللغويات أو الالكترونيات، تراهم، أمام قصور الترجمات التي يقوم بها غير المختصين، يمسكون بالقلم ويترجمون، متبعين طريقة المقارنة بين اللغات لدرجة أنهم ينسون معارفهم ويصرون على تحويل الكلمات إلى كلمات على حساب المعنى الذي يدركوه ولاينقلوه. سمعت قصة لم أتحقق من صحتها ولكنها تعتبر نموذجاً للترجمات التي يقوم بها أناس يعتبرون الترجمة نقلاً حرفياً، وهي أن جراحاً فرنسياً معروفاً قام بترجمة محضر عملية جراحية أجريت في الولايات المتحدة لو نفذ بحرفيته لأدى إلى تشويه المرضى، على حد تعبير زملائه.
ليست الترجمة بمعناها الحقيقي ممكنة إلا إذا كانت معارف المترجم تسمح له أن يحول الكلام إلى فكرة ثم إلى كلام ، دون أن يلجأ إلى الطريقة التقابلية التي لامكان لها على مستوى الكلام والتي يمكن أن تفسد الترجمة.
ترجمة اللغة ونقل المعنى
هل تقوم عملية الترجمة على النقل الحرفي للعلامات اللغوية أم على تأدية المعنى ؟ إن طرح هذا السؤال يثير علامات استفهام حول الترجمة وماهيتها. فالقول إن المعنى موجود في اللغة يؤدي في النهاية إلى تركيز الجهود النظرية على النقل الحرفي؛ أما اختيار الشق الثاني من السؤال على غرار المترجمين وأصحاب النظريات الذين يؤكدون أنه ليس من ترجمة خارج المعنى، يعني تبني الطريقة التأويلية، شريطة عدم تفريغها من محتواها،
لأن الطريقة التقابلية راسخة في الأذهان منذ وقت طويل لدرجة يخشى معها أن تجرف حتى أولئك الذين يعتقدون أنهم تخلصوا منها.
لم يعد هنالك منذ ردح من الزمن صاحب نظرية واحد يؤكد أن الترجمة هي نقل حرفي. فقد تم رفض هذا النوع من الترجمة، وليس هنالك من مدافع عن هذه الطريقة. وحتى تعبير الترجمة الحرفية (كلمة كلمة) بات تعبيراً سلبياً ! ولكن بالرغم من ذلك، في كل مرة تطرح فيها أسئلة نظرية حول ماهية الترجمة يكون التطابق بين الكلمات في صلب النقاش!
هنالك من يريد، دون أن يصرح بذلك، أن تحافظ الترجمة على التكافىء العددي، إن صح القول، بين النص الأصل والنص المترجم. فإذا عبر النص "س" بكلمة واحدة عن شيء ما أو مفهوم معين، ينبغي على النص "ع" أن يحذو حذوه. وعندما يستخدم النص الأصل عدداً معيناً من الكلمات للتعبير عن مفهوم ما يجب أن تتقيد الترجمة بهذا العدد من الكلمات. وهذا هو التفسير الوحيد الممكن لما يؤكده البعض من أن ثمة كلمات "غير قابلة للترجمة" لعدم وجود مطابقات لها في اللغة الهدف. مثال ذلك ميل البعض إلى القول إن اللغة الفرنسية لاتميز بين العم والخال لعدم احتوائها على كلمتين للدلالة على كل منهما، كما كان عليه الحال في اللغة اللاتينية avunculus / patruus . ولكن ماهي اللغة الفرنسية ؟ هل هي مجموعة كلمات أو مصطلحات يطلق كل منها على شيء ما أو مفهوم معين ؟ هل هي "كيس" مليء بالكلمات نأخذ منه الكلمة التي نحتاج إليها للتعبير عن شيء ما ؟ في الحقيقة، لم يعد أحد يفكر في هذا الاتجاه منذ
زمن طويل ! هل اللغة الفرنسية إذن نظام يسمح بالتعبير عما يمكننا تصوره وإدراكه مهما بلغ عدد الكلمات أو التركيبات النحوية التي ينبغي استخدامها لهذه الغاية، شأنها في ذلك شأن سائر اللغات الأخرى ؟ إن جواب المترجم الناجح عن هذا السؤال لابد أن يكون إيجابياً لأنه لا يتعامل مع الترجمة الحرفية. فالفرنسية لاتميز بين العم والخال بنفس عدد الكلمات التي تستخدمها اللاتينية لهذا الغرض، هذا هو الاستنتاج الوحيد الممكن على الصعيد اللغوي! أما على الصعيد الاجتماعي، فيمكن أن نضيف أن ارتفاع عدد الكلمات في اللغة الفرنسية عنه في اللغة اللاتينية يعني أن المجتمع الفرنسي المعاصر،على خلاف المجتمع الروماني القديم، لايحتاج كثيراً إلى التمييز بين العم والخال.
إن طرح هذا النوع من المشكلات الوهمية أو المصطنعة يؤدي في نهاية المطاف إلى وضع عراقيل حقيقية أمام أولئك الذين ينجرفون وراء مثل هذه الاعتبارات مما يجعلهم يفضلون الركون إلى الترجمة الحرفية! فتراهم يبحثون بشق الأنفس عن كلمة واحدة تعبر في اللغة الفرنسية عن صلة القرابة التي تدل عليها الكلمة اللاتينية، وينتهي بهم الأمر إلى الاقرار باستحالة الأمر، في حين أنه من البساطة بمكان أن نعبر عن تلك الرابطة بما توفره اللغة الفرنسية من إمكانات. وبما أننا قادرين على إدراك المدلولين المختلفين للكلمة فإنه بمقدورنا التعبير عنهما باختيار الوسائل اللغوية المتوفرة تبعاً للسياق الذي وردت فيه الكلمة. فإذا كان السياق يقتضي التمييز بين المدلولين يمكننا تأديتهما بقولنا "أخو الأب"و"أخو الأم" وإلا
اكتفينا بالكلمة الوحيدة الأعم وهي "oncle ". لايعني عدم توفر المصطلح في اللغة الهدف استحالة الترجمة وإنما استحالة النقل الحرفي فقط، لأن البحث عن مكافيء كمي ماهو إلا محاولة للترجمة كلمة – كلمة، شئنا ذلك أم أبينا.
لنأخذ مثالاً آخر وهو كلمتا " اللغة " ( langue) و" الكلام" ( langage ) في اللغة الفرنسية. لاتملك اللغة الانجليزية سوى كلمة واحدة للتعبير عن هذين المفهومين، مما حدا باللغويين الأنجلوساكسونيين إلى استخدام عبارة " natural language " (اللغة الطبيعية) إشارة إلى لغة البشر، أي إلى ماتسميه الفرنسية "langue". (مثال ذلك العبارة الآتية :"ليست هناك لغة طبيعية يكون تعلمها بالنسبة للطفل أعقد من أخرى أو أسهل منها" Lenneberg) . ومما يستحق الذكر في هذا الصدد أن اللغويين الناطقين بالفرنسية والمطلعين على الطروحات اللغوية الأميريكية أدخلوا إلى اللغة الفرنسية تعبير " اللغة الطبيعية " في سياقات تفي فيها بالغرض كلمة "اللغة" وحدها، وهو إطناب طريف يعيد إلى الأذهان مايفعله، عند تعاملهم مع الحاسوب، أولئك الذين لايتقنون سوى الفرنسية إذ يضيفون إلى كلمة (اللغة) توضيحاً يميزون به بين اللغة التي يتكلمونها وتلك التي يصيغونها لتغذية الحاسوب فيطلقون عليها عبارة " la langue- machine" (لغة الآلة). لو تضمن هذا الحشو توضيحاً للمفهوم لهان الأمر؛ ذلك أن من يجهل الانجليزية أو يجهل أن العبارة من
أصل انجليزي قد يظن للوهلة الأولى أن"Langue naturelle " عبارة تستخدم للدلالة على لغة الأطفال الصغار، وعند الكبار، على نبرة الصوت وتغيراته وما إلى ذلك من سمات تصاحب النطق، وهي تختلف بالتالي عن اللغة "Langue " كظاهرة اجتماعية.
والترجمة الحرفية ليست مجرد تكافىء حسابي. فعندما ننظر إلى الكلمات كعلامات لغوية بغض النظر عن السياق الذي وردت فيه، ونعتمد في ترجمتها معناها الأول بدلاً من المعنى الذي اكتسبته في النص تكون ترجمتنا حرفية أيضاً. نشرت صحيفة "لوموند" Le Monde في عددها الصادر في 24 يوليو 1973 مقالاً جاء فيه أن صحة وولتر أولبرايت، رئيس مجلس الدولة في جمهورية ألمانيا الديموقراطية، في حالة خطيرة. وأن الأطباء المعالجين أشاروا في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية مساء 21 يوليو أن أولبرايت، الذي يناهز الثمانين من العمر ويشكو من مرض في القلب ومن ارتفاع شديد في الضغط الشرياني"، أصيب بسكتة دماغية في 19 يوليو 1973." وأضاف الأطباء أن "حالته خطيرة(sérieux)". وكان الصحفي الذي ينقل النبأ يكتب بكل عفوية وتلقائية منطلقاً من المعنى ومدركاً أن صحة السيد أولبرايت خطيرة (وهولم يكن على خطأ لأن أولبرايت توفي فعلاً بعد بضعة أيام من نشر النبأ)، منوهاً إلى تقدمه في السن وإلى سوء حالته الصحية. وبعد أن أدرك الصحفي الوضع الصحي للمريض وعبر عن خطورته بكلمة grave أشار إلى بيان الأطباء الألمان من جديد ، إلا أنه راح يترجم هذه المرة مفيداً أن حالة أولبرايت الصحية
لم تعد خطيرة grave وإنما جدية sérieux. ذلك أن اللغة الألمانية تستخدم في هذا السياق كلمة ernst؛ والكل يعرف أن هذه الكلمة يقابلها في الفرنسية كلمة sérieux. إلا أن الصحفي نسي المعنى الذي أدركه، ونسي الكلمة التي استخدمها بنفسه وبكل عفوية ليقول إن "حالته جدية" توخياً للأمانة في الترجمة. ولكن ترجمة ernst ب sérieuxهي ردة الفعل الأولية لأولئك الذين نطلب منهم ترجمة الكلمة خارج السياق؛ وهذا هو المعنى الأول الذي يذكره المعجم، ولكن لاشيء يثبت أن المعنى الأول في اللغة يلائم حاجة الكلام والتعبير.
نحن لانسعى هنا إلى تحديد معاني الكلمة الألمانية ernst في السياقات المختلفة، ولا إلى اقتراح ترجمة لها : لابد أن القارىء يدرك أننا لانؤمن بوجود تطابق مسبق بين مفردات لغتين. إن مانريد قوله هو أننا نجد الكلمات المناسبة عندما ندرك العلاقة بين المعنى والسياق، ولكننا نحيد عن جادة الصواب عندما نكتفي بترجمة كلمة بأخرى. فانعدام التطابق بين اللغات أمر لم تعد ثمة حاجة لإثباته، وقد آن الآوان لنستنتج من ذلك أنه لاينبغي إقامة علاقة مباشرة بين الكلمات في عملية الترجمة؛ لأن الكلمات تستخدم في تحليل مدلول الرسالة والتعبير عنه ولكنها غير قابلة للترجمة.
ليس للكلمات معنى أول فقط، بل لها قيمة valeur أيضاً. ولكن محاولة آداء القيمة الكاملة لكلمة ما في اللغة الأخرى يعتبر ضرباً من الترجمة الحرفية أسوأ بكثير من التقيد بالتكافؤ العددي أو نقل المعنى الأول. وقعتُ في ترجمة كتاب رومان جاكوبسون Roman Jakobson "مقالات
في علم اللغة العام" Essais de Linguistique Générale (1963) على نموذج واضح لهذا النوع من الترجمة. فقد وردت في الأصل الانجليزي العبارة الآتية :" This is the code-switching of the communication engineers"، أداها المترجم بالفرنسية كما يلي :" هذا مايسميه مهندسو الاتصالات code-switching" أي أنه ترك العبارة الانجليزية على حالها وراح يعلق قائلاً :
" عمدنا لأول وهلة إلى ترجمة التعبير إلى الفرنسية ب commutation du code بما أن الكلمة الفرنسية commutation مكافئة للكلمة الانجليزية switching في استخداماتها التقنية. ولكن لسوء الحظ أن الكلمة الفرنسية commutation اكتسبت في مجال الآلسنية معنى تقنياً مختلفاً كل الاختلاف. كان يمكن أن نترجم العبارة الانجليزية ب "تبديل الرمز"، ولكننا في هذه الحالة نكون قد أغفلنا فكرة " تبديل اتجاه السير " changement d'aiguillage التي تتضمنها الكلمة الانجليزية switching. من هذا المنطلق، فضلنا الاحتفاظ بالعبارة الانجليزية كما احتفظنا بعبارة feed-back على سبيل المثال، إلخ…"
ماذا سيفهم القراء الفرنسيون الذين لايعرفون الانجليزية عندما سيجدون عبارة code-switching في النص الفرنسي ؟ لاشك في أن ملاحظة المترجم ستوفر لهم فكرة عن مدلولات الكلمة الانجليزية، ولكن إبقاء
التعبير الانجليزي في النص الفرنسي لن يوصل لهم معنى الجملة. في الحقيقة،لم يوفق المترجم في جهوده الرامية إلى إبراز فكرة aiguillage (توجيه السير وتبديله في حركة القطارات والحركة الجوية)، ولو أنه ترجم العبارة الانجليزية بالعبارة الفرنسية التي وردت في ذهنه changement de code (تبديل الرمز) لأحسن صنعاً. ذلك أن وجود كلمة code إلى جانب switching يقلص إلى حد كبير من مساحة الحقل الدلالي للكلمة الأخيرة؛ لذلك فإن محاولة آداء المعاني التي يمكن أن تأخذها هذه الكلمة في سياقات أخرى لاتخرج عن إطار محاولة الترجمة اللغوية. والشيء الذي أدى بالمترجم إلى طريق مسدودة هنا هو مبالغته في الأمانة للغة. ألم يكن بإمكانه إيجاد مخرج آخر بعدم البحث عن المكافئات الفرنسية والاكتفاء بمعرفة المقابل الفرنسي للكلمة الانجليزية في هذا السياق ؟ إن المتخصصين في المعلوماتية في فرنسا("مهندسو الاتصالات" والترجمة ) يستخدمون عبارة changement de code (تبديل الرمز) أياً كانت العبارة الانجليزية المستخدمة، وهذا هو المهم في الأمر.

الترجمة الواضحة
لايكفي في الترجمة أن يفهم المترجم مايترجم، بل يجب أن تكون ترجمته واضحة بالنسبة للقارىء. تتضمن العملية الترجمية في الواقع مرحلتين، مرحلة إدراك المعنى، ومرحلة التعبير عنه. في هذه المرحلة الثانية يقوم المترجم بالتعبير بلغته الأم كما فعل الكاتب قبله، وكما يفعل كل أولئك
الذين يتحدثون بلغتهم الأم. ولكن التعبير أو الكلام لايعني دائما أن الآخرين سوف يدركون مايقال. والترجمة الأمينة هي التي يسعى فيها المترجم إلى أن تكون ترجمته مفهومة وواضحة وذلك باستخدام العبارة المناسبة. كيف نعبر بوضوح عما فهمناه جيداً عند القراءة ؟ هل يكون ذلك بالتقيد بالشكل اللغوي والبنية النحوية للغة الأصل ؟ أم بالابتعاد عن الأصل ومحاولة توجيه الرسالة إلى القارىء بالشكل الذي يساعده في فهمها، أي باستخدام طريقة التعبير التي تناسب لغته ؟ تلك هي الطريق الصحيحة التي لو حدنا عنها لتوصلنا إلى شيء لامعنى له، إلى أشباه عبارات متجاورة لاتمت إلى اللغة الأصل والرسالة التي تعبر عنها بأية بصلة ، ولا إلى اللغة الهدف، ولا إلى أية رسالة كانت…
كي يتمكن القارىء من متابعة نص ما دون عناء يجب أن يتلائم هذا النص مع طبيعة اللغة التي كتب فيها. فالمترجم الذي يترجم دون أن يكترث بما سيفهمه القارىء الذي لم يطلع على الأصل يؤدي نصاً صحيحاً نحوياً وإنما قد يتعذر فهمه عل القارىء.
إن الأمانة للكلمة هي العائق الأكبر أمام الترجمة. لقد وجدت الحكمة الشعبية تعبير"الأصدقاء المزيفون" Faux amis ) ( لوصف الحالات الأكثر وضوحاً، تلك التي تؤدي فيها الأمانة الزائدة إلى الكلمة الواردة في النص الأصل إلى استخدام الكلمة المشابهة لها في اللغة الهدف، أو إلى ترجمة المعنى الأول للكلمة عندما يتعذر النسخ calque )). ينتج هذا التداخل في أكثر الحالات عن جهل باللغة الأجنبية، وعن عدم تمكن من
اللغة الأم، إذ يفهم المترجم معاني الكلمات الأجنبية ولكنه لايدرك أن العبارة لاتقال على هذا النحو في لغته الأم. مثال ذلك كلمة occurrence التي تعني بالانجليزية " ظهور، تجلي "، وعبارة réponse comportementale التي تنقل أحيانا إلى الانجليزية behaviorial response، علماً أن هذه العبارة تعني " ردة فعل " وهي ليست مكافئة للعبارة الفرنسية؛ من أجل فهم هذه الكلمات يجب أن نتذكر أنها كلمات انجليزية وليست فرنسية. عندما تتشابه الكلمات في اللغتين فإن ردة الفعل تكون عادة بالاحتفاظ بنفس الكلمة في اللغة الأخرى؛ أما إذا اختلف الشكل فيلجأ المترجم حينئذ إلى المعنى الأول للكلمة. وتشكل عبارة réponse comportementale مثالاًواضحاً على الجمع بين الطريقتين : فكلمة response الانجليزية تعطي بالفرنسية كلمة réponse ( الاحتفاظ بشكل الدال )، وكلمة behaviorial الانجليزية تترجم بالكلمة الفرنسية comportemental وهذه ترجمة للمعنى الأول ( behavior = comportement) إضافة إلى الاحتفاظ بالشكل القواعدي (ial = al ).
من المفيد أن نشير في هذا المقام إلى تمرين يتدرب عليه طلاب المدرسة العليا للترجمة التحريرية والفورية ESIT بهدف لفت انتباههم إلى أسباب التداخل اللغوي، وتعويدهم على تجنب النقل المباشر للكلمات من لغة إلى أخرى، واستنتاج العلاقة المباشرة بين الفكرة والكلمة، أو
بالأحرى بين الفهم والتعبير. وقدكان موضوع واحد من هذه التمارين ترجمة فرنسية لمسرحية شكسبير "يولويوس قيصر" Jules César ، وعلى وجه التحديد المقطع الشهير من المشهد الثاني/الفصل الثاني الذي يفتتحه أنطوان Antoine قائلا :" Friends, Romans, Countrymen, lend me your ears ". والعبارة التي تهمنا هي قوله فيما بعد :
" I speak not to disprove what Brutus spoke " والتي ترجمت في منشورات "لابلياد" La Pléade " pour désapprouve " ( شجب/ندد). لايقوم التمرين على سؤال الطلاب عما يعني الفعل " to disprove " في لغتهم، لأن الغاية ليست تعليمهم اللغة بل جعلهم يدركون سياق الحبكة: بروتوس وأصدقاؤه قتلوا قيصراً، وأنطوان يخاطب الحشد، بعد أن انتهى بروتوس من القاء كلمته وعلى مقربة منه جثة قيصر الدامية، بقصد إثارة الجماهير ضد القتلة؛ وهو مشهد شهير جداً… بعد أن نطلب من الطلاب استعادة الملابسات في أذهانهم، نقرأ المقطع ونسألهم عن كيفية التعبير بالفرنسية عن الفعل " to disprove " (ينبغي تجنب استخدام كلمة " ترجمة"). نسوق هنا عدداً من الإجابات التي أفاد بها الطلبة في ذلك اليوم مقابلاً للكلمة الانجليزية : نعت بالكذب، كذب، دحض، برهن على أن حديثه زوراً وبهتانا،إلخ … أما التحليل اللغوي فيعطي : قدم برهاناً مضاداً؛ والمعجم يورد : فند، والترجمة يمكن أن تكون : خالف الرأي، ثار ضد…
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الترجمة والتأويل نقل للعلامات اللغوية أم صياغة جديدة تتمة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى المهاجر :: قسم تعلم اللغات-
انتقل الى: